قرار
الحكومة المصرية برفع أسعار بعض السلع والبضائع مؤخراً لم يكن مفاجئا ، فالمواطن
المصري اعتاد مع مطلع شهر يوليو من كل عام بزيادة جنونية في الأسعار تلتهم ما تقدمه
له الحكومة تحت بند "العلاوة الاجتماعية" ، وهو إجراء يلجأ إليه دوما الحزب الوطني
الحاكم لسد العجز في الموازنة المالية ، دون البحث عن مصادر تمويل أخرى
.
وتشمل
الزيادات الجديدة أسعار مواد البناء كالحديد والألمنيوم والإسمنت، والأسمدة،
بالإضافة إلى رفع أسعار السلع الأساسية كالسكر والأَرُز ومنتجات الألبان ، والهدف
المعلن هو توفير نصف مليار دولار من جيوب المواطنين التي تشكو الإفلاس قبل نهاية كل
شهر .
ولن
تتوقف تداعيات هذا الارتفاع على السلع المعلنة ، إذ يرفع القرار الحكومي الذي أُعلن
الجمعة الماضي أسعار الوقود للمصانع بنسبة 15%، ورفع أسعار الكهرباء بنسبة 50% ،
فضلا عن موجة ارتفاعات تشمل بقية السلع والمنتجات بدعوى تأثرها بالقرار الحكومي
.
الحكومة
المصرية من جانبها والتي تخطط لإنهاء الدعم لجميع الصناعات بحلول نهاية 2011 ، تبرر
إقدامها على خطوة تحرير أسعار الوقود المقدم للصناعات في هذا الوقت بتحسن مؤشرات
النمو الاقتصادي في البلاد ، وبدء انحسار تداعيات الأزمة المالية ، وتراجع آثارها
السلبية على الاقتصاد العالمي.
وتشير
البيانات الرسمية إلى أن دعم الطاقة كلف الحكومة المصرية 60 مليار جنيه مصري (10.56
مليارات دولار) في السنة المالية 2007-2008 ، في الوقت الذي بلغ فيه عجز الموازنة –
حسب تقرير لوزارة المالية صدر في مارس الماضي - 65 مليارات جنيه (11.44 مليار
دولار) في الأشهر السبعة حتى 31 يناير الماضي ، ومن هذا المبلغ ذهبت 20 مليار جنيه
لدعم الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة.
ويقول
بيان لوزارة التجارة المصرية : " إن الصناعات غير كثيفة استهلاك الطاقة والتي تشكل
97%، من النشاط الصناعي في البلاد بما في ذلك قطاعات مثل إنتاج الكيماويات ستدفع
دولارين مقابل كل مليون وحدة حرارية ، بينما الصناعات كثيفة استخدام الطاقة مثل
الصلب والإسمنت والأسمدة ستسدد 3 دولارات مقابل كل مليون وحدة حرارية لكنها ستواجه
زيادة قدرها 50% في أسعار الكهرباء أثناء فترات ذروة الاستهلاك ، وستدفع صناعات
الزجاج المسطح وصناعة السيراميك والبورسلين 2.3 دولار لكل مليون وحدة حرارية
".
ويدفع
المواطن المصري ثمن أي قرار حكومي يمس الأسعار ، خاصة أن الوقود يعد من العوامل
التي تدخل في تحديد أسعار المنتج النهائي للمستهلكين، وارتفاع أسعار الوقود يؤدي
بشكل مباشر أو غير مباشر لارتفاع أسعار بقية السلع ، يفاقم الأمور غياب أي رقابة
حقيقية من الجهات المعنية لحماية المستهلك ، فضلا عن تكالب المواطنين لتخزين بعض
السلع الحيوية خاصة مع اقتراب حلول شهر رمضان المقبل .
وربما
يدفع ارتفاع الأسعار لحالة من الركود في الأسواق ، وإحجام المستهلكين عن الشراء ،
حيث يتسبب رفع الأسعار- بحسب تأكيدات خبراء الاقتصاد - في زيادة كلفة الإنتاج،
كما أن زيادة أسعار الطاقة يرفع من تكلفة الحديد والأسمنت والغزل والنسيج والورق
والأسمدة، وارتفاع أسعار هذه المنتجات يعطي مبرراً قوياً للتجار لزيادة باقي
الأسعار للمحافظة على أرباحهم، وبالتالي تنتقل هذه الارتفاعات إلى جموع المستهلكين
بشكل يستنزف جيوبهم.
وتثير
الارتفاعات المتوالية في الأسعار ، في وقت يرفع فيه الحزب الحاكم شعار " من أجلك
أنت " ، استياءً شعبيا كبيرا ، يطول قطاعات لم تكن تتظاهر في السابق مثل الأطباء
وأساتذة الجامعات ، حيث تبدو الأجواء في ظل تدني الأجور مهيأة لتصاعد موجات
الاعتصام والإضراب . وتدور أغلب مظاهرات العمال ، والمعلمين ، وحتى الأطباء
وأساتذة الجامعات حول غلاء المعيشة ، وارتفاع الأسعار ، وأزمات من نوعية رغيف العيش
، وأنبوبة البوتاجاز ، واللحوم والتي شهدت ارتفاعات متفاوتة دفعت إلى انطلاق دعوات
المقاطعة حتى تنخفض أسعارها، وغيرها من الأزمات التي أصبحت عنوانا ملازماً للشارع
المصري .
يقول
برنامج الغذاء العالمي : "إن مصاريف الأسرة المتوسطة المصرية ازدادت بنسبة 50% منذ
بداية 2008 ، مؤكدا أنه نظراً لأن الرواتب لم ترتفع بنفس نسبة ارتفاع أسعار السلع
الغذائية فإن المصريين يجدون مزيداً من الصعوبة في تدبر احتياجاتهم المعيشية"
.
ويؤكد
البنك الدولي أن الفقر يتزايد في مصر منذ العام 2000، وطبقا للبنك الدولي فإن 20%
من الـ 78 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر (2 دولار يوميا) ، و20% منهم يعيشون
بالكاد فوق خط الفقر ، ويعد 3.8% من المصريين في حالة فقر مدقع.
وإزاء
الارتفاع الجنوني في الأسعار ، ومع لهيب الصيف الساخن ، وحصول حركات احتجاج شعبية
على أحكام قضائية بإلزام الحكومة بحد أدنى جديد للأجور لا يقل عن الـ 1200 جنيها
راتبا شهريا ، فإن أحداث "انتفاضة الخبز" التي اندلعت في 18 و19 يناير 1977 بعد
إعلان الحكومة رفع أسعار الخبز ، ليست بعيدة عن الأذهان ، وتتوالى تحذيرات المعارضة
في البلاد من إمكانية تكرارها ، لكن هذه المرة وفق سيناريو قد يكون
أسوأ.